من شخصيات شارع بسادة

شيخ المعهد الأزهرى
ثم من هذا؟! آه.. شيخ المعهد الأزهري في البلدة، المنتدب ـ أصلاً ـ من المعهد الأحمدي بطنطا. الحقيقة هو لا يعود لقضاء العطلة الأسبوعية بين أهله سوي مرة واحدة كل أول شهر، وتصادف أنه أمضي أسبوعا كاملا بين أهله. ها هو ينهي أجازته؛ ليعود في القطار الأخير لأن عليه أن يكون في صباح السبت بين الشيوخ الأطفال؛ ليذوب بينهم. هو نفسه يشبه الأطفال تماماً. قصير جدًّا، ونحيف جدًا، وخفيض الصوت جداً جداً. وهو فوق ذلك خجول حتى لا يقوي على النظر في عيون تلاميذه. هذه صفات لا يمكن أن تجتمع في شيخ أزهري إلا هو؛ لهذا فإن أحداً لا يشعر بوجوده، لا بسفره ولا بعودته، حتى إن العربجية المتحفزين لزبائنهم يخطئون وجوده عادة. ربما يفاجأ به أحدهم وهو يهم بالانصراف بعد أن يئس من الفوز بزبون، وغالباً لن يهتم به، فالشيخ الصغير لا يركب الحناطير إلا نادرًا، وعادة يكون آخر الخارجين من النفق، يمشي بخطوات متعثرة ملاصقاً للبيوت والأرصفة. ينظر للأرض كأنما يبحث عن ظله، يصل إلي بيته المجاور للمعهد الأزهري بعد عشرين دقيقة من المشي بحساب خطواته الصغيرة، غير أنه في ليلة مثل هذه، سيفكر بالتأكيد في ركوب حنطور، إنها ليلة باردة، والطرق موحلة، وهو حريص علي ألا يوسخ ذيل "كاكولته" التي يبقي فيها لشهر كامل قبل أن يعود في أجازة أخري. دعونا لا ننشغل به، فهو ليس الرجل الذي ينتظره رجب علي أية حال. فهذا الشيخ الصغير سيختفي من الوجود تماماً بعد أيام قليلة من تلك الليلة. سيكون رجلنا الذي ينتظره رجب هو الأكثر غربة بين كائنات النفق هذا. سيكون غريبا حتى عن جسده واسمه. أما شيخنا الصغير، فسوف يختفي تماما. هو ـ في الحقيقة ـ كان مهيّئًا للاختفاء. سيحدث هذا بعدما اتهمته صاحبة البيت بالتحرش بابنتها القاصر. طبعا فضيحة. كان يحتاج لفضيحة حتى يشعر الناس به. فضيحة ستجعله حديث الناس لبضعة أيام وكأنهم فوجئوا بوجوده بينهم. سيختفي تماما، لكن الناس ستذكره كثيرا، كلما مرت في شوارعهم بنت بعيون شقية ونَهديْن لَعوبين، لا بد أتعبا الشيخ الصغير كثيرا حتى يمسك بهما.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نراجيديا أسمهان

شارع بسادة

كان محتاجا لمن يسكب قهوته