المشاركات

عرض المشاركات من 2008

جزء من شارع بسادة

زوج أرانب يتناسلان تحت سرير الغانية العجوز ليلاً، ويرعيان في الحلفاء نهارًا) عندما جلس حسونة بجوار سيدة آلاجا، سمعتْه يئن، ولمحت دمعة تسيل بين عماص عينيه. قالت: ـ مالك يا خويا؟. ـ تعبان. ثم مال برأسه على حجر كبير وأغمض عينيه، فوضعت كفها على كتفه وطبطبت عليه. صحيح أن سيدة ضاجعت رجالا كثيرين، لكن الله لم يمنحها ولدا واحدا، وذات مساء قائظ أرسل لها حسونة حتى باب بيتها. كان ولدا صموتا اعتاد الصبيان أخذه إلى أرض أبي خليفة ليمنحهم متعا سرية بعيدًا عن عيون الملائكة. رأته لأول مرة يشرب من زير جعلته سبيلا أمام بيتها، فعرضت عليه أن يبقى معها بشرط أن يسعى على رزقه، فهي لا يمكنها أن تحمل سوى هم نفسها وزوج أرانب يتناسلان تحت سريرها ليلا، وفي النهار يرعيان في الحلفاء غير بعيد عن البيت خشية الثعالب. في الحقيقة هو لم يكن بيتا، مجرد خص كبير جعله أبو خليفة على رأس أرضه، يقيّل فيه حتى اصفرار الشمس ويأكل لقمته، ولما مات، أهمل أولادُه الأرض؛ فأكلتها الحلفاء، وسكنتها الفئران والسحالي والثعالب والأولاد الهاربون من عصا الأستاذ رزق الله. الآن.. لا أحد يعرف متى سكنت سيدة الخص؟، ولا متى وسعته ودهكته بالطين وجعلت

محاورات عمر شهريار

حوار لجريدة الوسط الكويتية حاورة عمر شهريار 1ـ كناقد مهتم بالأعمال الروائية للروائيين الشبان ، ما رأيك فى مصطلح الكتابة الجديدة ، ومدىانضباط المصطلح ، وهل ينسحب على كل كتابات الشباب ؟ ـ الرواية الجديدة مصطلح مائع شأنه شأن زمن الرواية ، فالجدة والزمن أشياء ليست محددة ولا معيارية ، ففى كل زمن ستجد رواية يقال إنها جديدة ، كما أن التجديد ليس شيئاً واحداً ولا كليا ، إنها عمليات صغرى من الهدم والبناء تمتد فى الزمن ، والناقد عليه أن يلاحظ هذه العمليات بدلاً من الانشغال بمصطلحات كلية تختزل وعينا بالحراك الإبداعى । فالأدب ذو طبيعة تراكمية ، والمشهد الأدبى الان فى حال لم يشهدها من قبل ، فيه تعدد هائل وسيولة عجيبة تجعل أحكام القيمة بلا معنى ، وتربك أى محاولة للتصنيف ، فأنت لاتعرف من الذى يحدد قيمة العمل الأدبى ، القارىء أو التوزيع ، أم الإعلام الذى يروج لنصوص وكتاب بعينهم ، أم الناقد الذى تقوقع فى الأكاديميات ، أم الجوائز التى تمنح بدون انتقاء ومن قبيل الوجاهة الثقافية ، ونتيجة لهذه الفوضى فالكثير من الكتابات تمر بوصفها كتابة جديدة بينما يعوزها دليل على ذلك . 2ـ أنت من المهتمين بالنقد ال

من أرشيف القصص

صورة
ليسـت بيضـاء تمامـاً.. لازالت تسرب رائحة البنبون الأحمر إلى صدره ، وتثير حساسية الخطايا الصغيرة ، كلما أدار شريطا بصوت المغنية القديمة ، حتى تلامس بحة صوتها شفتيه بقبلة لها رفيف الملائكة الصغيرة ، فيجالسها على حجر أبيض ويشترى لها عقد الفل ، فيما يضحك الأولاد العابثون من رأسه الحليق ، ويقول أكبرهم ..آسف يا دفعة . - أنت الوحيد الذي رأى الحسنة بين نهدى ، وهذا الجرح منك ، شريط صغير بطول سنتيمتر عند مفرق الشعر. تحسسه بطرف السبابة وقبل عينيها ، قال ..أحب ملمس حاجبيك على شفتي . - هل تذكر القهوة التي اعتاد العجوز أن يعدها لك ؟ كم عدد القبلات التي تغمرني بها أثناء ذلك ؟ وحين يرجع بالصينية البلاستيكية الصغيرة كان يمشى بحذر، ويضعها بجوارك على حافة السرير ، فتبدو ملائكياً كعادتك،وأنت تسرح فى النقوش الملونة على حواف الصينية . - أنا لا أشرب القهوة إلا من يديك يا حاج . يا للمنافق الصغير . أنت أيضاً يا حبيبتى ، وقطعة البنبون الأحمر التي تذوب بين شفتينا تشهد ، فى الحادية عشرة تماماً تحدقين فى الساعة ذات الصندوق الأبنوسى والبندول الفضي الكبير المتأرجح فوق رأس العجوز ، وتمررين مساء الخير على الجم

العبقرى

صورة
العبقري قراءة مذكرات واعترافات بعض الشخص يات ال كبرى يكون مفيداً من عدة وجوه ، فنحن بطريقة ما نحولهم إلى قدوة ، ونستفيد من تجاربهم ونتبع مسلكهم ، لكن الأه م إنها توفر ل نا مج الاً هاماً وحياً للدراسة ، ليس فقط دراستهم بل دراسة زمنهم وبيئتهم الاجتماعية والسياسية والثقافية ، إما قراءة مذك رات العباقرة فهى شئ مختلف ، لسبب بسيط هو أن العبقري شخص مختلف ، وهذا م ا ي بدأ به ميشيل دى مونتان تقديمه " يوميات عبقري " ، و هى اليوميات التى كتبها الفنان سلفادور دالي في الفترة من 19 52 ـ 1 963 لتكون شاهداً ليس فقط علي عبقريته ، ولكن علي مرحلة من اخطر و أثرى مراحل التحول الثقافي في تاريخ العالم . بق ول ميشيل دي مونتان " إن الحياة اليومية للعبقري ، نومه وهضمه ، ابتهاجه و نشوته ، أظافره ودمه ، حياته وموته ، مختلفة بدرجة أساسية عن بقية البشر " هذه المذكرات تصدر عن سلسلة المئويات بمناسبة مرور مائة عام علي ميلاد سلفادور دالي ( 1904ـ 1989 ) ، من ترجمة الأديب الفلسطيني أحمد عمر شاهين ( رحمه الله )، دالي كان يعرف بعبقريته ويعشقها ، وكان يعشق الكتابة عن نفسه وعن عبقريته فغير الي

نراجيديا أسمهان

صورة
رؤية فى مسلسل أسمهان فى كتابه فن الشعر حدد أرسطو مفهوم الدراما وعناصرها ، ورهن الدراما جيدة الصنع بما أسماه البطل التراجيدى ،وهو نبيل بطبيعته ، خضع لامتحان القدر ، فارتكب مايسميه بالخطأ التراجيدى ، الذى يعتبر نقطة الانقلاب الخطيرة فى حياة البطل ، فينتقل من حال السعادة إلى حال الشقاء . ثمة بذور درامية عديدة فى حياة أسمهان ، أهلتها لتكون شخصية تراجيدية من الطراز الأول بل وكما يعرفها أرسطو . وهذه البذور بدت بمثابة عوامل أسهمت فى البناء الدرامى لمسلسل أسمهان الذى عرض خلال شهر رمضان ، ولا يعنينا ـ هنا ـ المسلسل نفسه من حيث هو عمل تلفزيونى بقدر ما يعنينا ، كيف قرأ كاتب السيناريو الأبعاد الدرامية فى شخصياته . أسمهان أميرة من بيت الأطرش ، خرجت من بلادها فى ظروف سياسية واجتماعية حرجة بعد وفاة أبيها ( فهد الأطرش 1924) . أنتقلت إلى القاهرة وهناك عاشت مع أمها ( الأميرة علياء المنذر) وأخويها فريد وفؤاد حياة بؤس وشقاء . مما أضطرهم لاحتراف الغناء فى الملاهى والحفلات العائلية ، فقط ليتمكنوا من الحصول على لقمة العيش . إن هذا التحول ـ فى حد ذاته ـ كاف لكى يخلق بذرة الشقاء التراجيدى فى حيا
صورة
أميرة تأكل الورق عندما تعرضت أميرة فى طفولتها إلى مرض عرض حياتها للخطر، لم أجد سوى الكتابة للتعبير عن لوعتى وألمى، كتبت من أجلها ، وأهديتها مجموعتى القصصية الثانية ( للروح غناها ) .فى أمسيات الألم ، كنت أقرأ قصصى على ابنة السادسة طريحة الفراش ، ربما كانت لاتعى كثيرا مما اقرأ ، ولكنها كانت تحب أن أقرأ لها بالذات ( للروح غناها ) وتطالبنى أن أبدأ من أول الإهداء .وبمجرد أن تسمعنى أقول : " إلى أميرة ..التى طالت رف المذياع " ، كانت تبتسم ، ويشع وجهها بالحياة ونتوحد معا فى لحظة انعتاق مؤقت من ترانيم الألم .وهكذا تحولت جلسات القراءة على سرير أميرة إلى جلسات علاج لى ولها .الآن .. أميرة أصبحت عروساً جميلة ، ولكن المدهش أن الكتابة قد سكنتها ، أميرة الآن تكتب القصة وتعشق الكتابة . *** الكتابة إذن ليست مجرد وسيلة للتعبير ، إنها طاقة سحرية تمنحنا الحياة ، طاقة لها قوة الفعل .الآن .. وبعد طول معاشرة للكتابة ، لم يعد من حقى السؤال عن جدوى الكتابة ، لأنه كلما نظرت ورائى بغضب أو بفرح ، لا أجد سوى الكتابة تشاركنى فعل الحياة ، كانت الكتابة قائمة فى حياتى منذ وعيى بذاتى ، فى طفولتى وشبابى ،

حال النقد فى مصر ( حوار )

صورة
أنا أنهيت مقولة : ( الناقد هو مبدع فاشل ) .. أظن أن النقد فى مصر الآن يعيش لحظة انتقال وتجديد ، وأظنها ستطول قليلاً لأنها ليست نقلة تقليدية من جيل يسلم فيها الراية لجيل آخر ، بل نقلة نوعية . هناك جيل قديم من النقاد مازال يعمل بنفس تقاليده التى تتراوح بين النزعة الأيديولوجية والذهنية الأكاديمية أو تجمع بينها فى أحسن الأحوال ، يطرحون على النص الأدبي أسئلة ذات مرجعيات سياسية من قبيل ، ما الأدب ، الدور الاجتماعي له ، علاقة الأدب بالأيديولوجيا ، الأدب بين الحرية والالتزام ، وهى كلها أسئلة ارتبطت بفلسفة الحداثة ، ولكننا الآن نعيش عصرا مختلفا . هناك عدد من النقاد الشباب أكثر استيعاباً للمتغير الثقافي الذى اجتاح العالم فى ربع القرن الأخير ، نتيجة لتطور وسائط الاتصال وسهولة نقل وتبادل المعلومات والمعارف ، كما أننا تعيش الآن عصر الصورة ، التى سوف تنتج لغتها و جمالياتها المختلفة عن الكتابة ، وستغير كثيراً من المفاهيم عن النص والقراءة ، ومن ثم مفهوم الإبداع نفسه الذى يتحول من الاستاطيقا التقليدية إلى نوع من المهارات التقنية والتى سوف تنتج بدورها فنوناً جديدة عبر برامج الجرافيك وتقنيا
صورة
مقهي المثقفين ( محاكاة ساخرة ) وردت "مقهي المثقفين" في نص فوق الحياة قليلاً عدة مرات ، يمكن لناقد إحصائي الاستفادة من عدها ، مع أنها لا تعني أي شئ سوي مجرد "مقهي المثقفين" ، وربما لأننا كنا نسعي وراء شاعرنا الذي يهيم في الأفق الشعري وراء القصيدة، ولم يكن ثمة تعين ، أو استحضار للمكان علي نحو يفضله رسام واقعي ، غير أن مقهي المثقفين ليست مجرد اسم يطلق علي مكان ما ، ففي مقاهي المثقفين ينحفر تاريخ الحركات الأدبية في العصر الحديث ، وتتولد النظريات التي تغير مسارات العالم ، ويرسم كل فترة قاص أو شاعر ثم يمنح صك الاعتراف. هذا يحدث في كل بلدان العالم. وفي باريس التي كانت عاصمة النور ثم انقطع عنها التيار الكهربائي فجأة ، يحفظ لنا التاريخ عدداً من مقاهي المثقفين ، ونكاد نعرف جميعاً أسماء روادها المشاهير ، من الذين حملوا علي أكتافهم – برغم قصص البؤس التي غلفت حياتهم – أمانة تسطير تاريخ العالم الحديث بحروف من نور ، ومن كل بلدان العالم هاجر إليهم أدباء وفنانون أقل سطوعاً ، ربما لأنهم أقل بؤساً وشقاءً – غير أنهم طاروا كفراشات دقيقة تلبد في أماكن مأمونة وقريبة من مراك

كان محتاجا لمن يسكب قهوته

صورة
تذكرون هدي كمال ، التي تركناها جالسة أمام ثلاجة مفتوحة، وضوء خفيف وحده ينسال بارداً علي جسدها العاري، ويشكل ظلال النهدين والفخدين. هدي كمال هذه عشقت فراء ثعلب، ووقفت طويلاً أمام شواء الشاورمة، تستمتع بمشهد النار البنفسجية، وكتلة اللحم المخروطية تنز عصيرها علي صينية مستديرة، تلك الرائحة تشعرها بالجوع. تأمل الصورة التي التقطها المصور الهندي في الخليج . جعلها في جانب الصورة تخطو علي مساحة رمال ناعمة وممتدة، وفي الخلف مياه الخليج في صفاء نادر ولقاء عبقري مع خط الأفق اللازوردي، كان الهواء يطير تنورتها المشجرة للخلف، ويرتفع بها قليلاً فوق ركبتيها، ويطير شعرها الأسود فيغطى وجهها، كانت تلتفت بجيد طويل، وتبتسم. قالت إن المصور الهندي طلب منها أن تبتسم .وقال إن الابتسامة تحفف كثيراً من نظرتها الحزينة، وهي لم تبتسم في أول الأمر، فقط لما ابتسم المصور الهندي ابتسامة مهنية وقال ... ألا تعرفين الابتسام ياسيدتي ... هكذا ، وابتسم فابتسمت ، وبسرعة سجل الابتسامة قبل أن تكتمل أو حتي قبل أن تختفي نظرة الحزن من عينيها. قال : تشبهين غزالاً تخلص للتو من مطارديه ، وأنتظر رداً انفعالياً بشئ من الحدس ، ظلت ط