العبقرى
العبقري
قراءة مذكرات واعترافات بعض الشخصيات الكبرى يكون مفيداً من عدة وجوه ، فنحن بطريقة ما نحولهم إلى قدوة ، ونستفيد من تجاربهم ونتبع مسلكهم ، لكن الأهم إنها توفر لنا مجالاً هاماً وحياً للدراسة ، ليس فقط دراستهم بل دراسة زمنهم وبيئتهم الاجتماعية والسياسية والثقافية ، إما قراءة مذكرات العباقرة فهى شئ مختلف ، لسبب بسيط هو أن العبقري شخص مختلف ، وهذا ما يبدأ به ميشيل دى مونتان تقديمه " يوميات عبقري " ، وهى اليوميات التى كتبها الفنان سلفادور دالي في الفترة من 1952 ـ 1963 لتكون شاهداً ليس فقط علي عبقريته ، ولكن علي مرحلة من اخطر و أثرى مراحل التحول الثقافي في تاريخ العالم . بقول ميشيل دي مونتان " إن الحياة اليومية للعبقري ، نومه وهضمه ، ابتهاجه و نشوته ، أظافره ودمه ، حياته وموته ، مختلفة بدرجة أساسية عن بقية البشر " هذه المذكرات تصدر عن سلسلة المئويات بمناسبة مرور مائة عام علي ميلاد سلفادور دالي ( 1904ـ 1989 ) ، من ترجمة الأديب الفلسطيني أحمد عمر شاهين ( رحمه الله )، دالي كان يعرف بعبقريته ويعشقها ، وكان يعشق الكتابة عن نفسه وعن عبقريته فغير اليوميات كتب الحياة السرية لدالي ، وكتب عالم سلفادور دالي e=4>، هذا غير الكتب التى تحمل نظريته في الفن ، هذه النظرية التى بدأت في كنف السرياليين لكنها سرعان ما اصطدمت بهم ، لقد ذهل دالي من خواء السرياليين الروحي ، وجمودهم أمام مجموعة الأفكار النيتشوية ، لاحظ دالي أن إلحادهم قد يكون حرر عقولهم ، لكنه أبدا لم يحرر روحهم ، أما دالي ، فقد كانت روحه حره إلى درجة أن السرياليين لم يمكنهم استيعاب نزقه وجنونه ، لقد بدوا بالنسبة له كلاسيكيين شديدي التحفظ وهم يتأملون رسمه للأحشاء والأمعاء وخيوط الدم ، لقد واجه دالي السرياليين بلوحاته الصادمة منذ البداية ليكشف هشاشة عقلانيتهم ، فهم علي العكس اعتقد بأن ثمة عقل عبقري جبار وراء كل شئ ، هو نفسه صاحب عقل عبقري ، فكيف ينكره ببساطة ، و يتخلي عنه لصالح فكرة ، كتب دالي 1935 هزيمة اللامعقول ، واعتبر ذلك نوعاً من الضعف الرومانسي ، ومنذ البداية واجه دالي فكرة الإلحاد بتحد ، كان أبوه ملحداً ، وكان مدرسه في المرحلة الابتدائية ملحداً ، وعندما انضم للسرياليين صدمته فكرة الخواء الروحي للحركة ، طلب من أقطاب الحركة إضافة عنصر ديني صوفي لها ، تجددها وتعزلها نهائياً عن المادية الجدلية ، لكنهم كادوا له ، واتهموه بأنه موالى لهتلر فانشق عليهم ، ومنذ لحظة خروجه عنهم اعتبرت السرياليية حركة بائدة وميته ، كما رفض ـ أيضاً ـ التجرييدن ، واختط لنفسه منهجاً ، التحليل النقدي المبنى علي الهلوسة ، وشيئاً فشيئاً تحولت طريقته إلى نظرية جديدة في الفن التشكيلي عرفت بالواقعية السحرية ، لكن فلسفته للاحتشاد الروحي بدت متناقضة مع ما عرف عنه من شره للدولار والذهب ، دالي لايجد تناقضاً في ذلك ، يقول ان الطريقة الوحيدة لإضفاء الطابع الروحي علي المادة ، هى أن تملاء كل شئ بالذهب ، لكن إيمان دالي الحقيقى كان بعبقريته ، وكان هذا حافزه الأول علي إنجاز مشروعه ، يقول " أؤمن بأني مخلص الفن الحديث ، وأنى الوحيد القادر علي إن أتسامى وأكمل و أعقلن بشكل جميل ووقور كل التجارب الثورية للعصور الحديثة ، وفق تقاليد الكلاسيكية العظيمة للواقعية والغيبية ، وهى مهمة أسبانيا المجيدة والسامية " . أما الحافز الثاني لعبقرية دالي فكان زوجته جالا ، علاقة جالا بدالي أسطورية لقد آمنت بعبقريته وظلت تدفعه منذ البداية ، ولا تكاد تخلو صفحة من يومياته إلا وذكر فيها جالا ، فهي لم تكن مجرد زوجة أو حبيبة ، كانت توأم روحه ، ومثلث الجانب العقلاني والروحاني في علاقته بالعالم ، لهذا كان دالي يعتقد أنه بدون جالا قد يموت أو يصاب بالجنون ، وعندما ماتت جالا 1982 ، عاش بعدها دالي سبع سنوات ، اختلت فيها تفاصيل حياته تماماً ، وتسلقت الأمراض جسده ، حتى أصيب بالشلل الرعاش ، وفقد ذاكرته قبل أن يموت . الكتاب ملئ بعدد من مقولات دالي التى يمكن اعتبارها جزءاً من فلسفته وعبقريته منها : " إن الأخطاء في معظم الأحيان ذات طبيعة مقدسة ، لا تحاول تصحيحها ، بل علي العكس ، حاول أن تفهمها بدقة " ।
قراءة مذكرات واعترافات بعض الشخصيات الكبرى يكون مفيداً من عدة وجوه ، فنحن بطريقة ما نحولهم إلى قدوة ، ونستفيد من تجاربهم ونتبع مسلكهم ، لكن الأهم إنها توفر لنا مجالاً هاماً وحياً للدراسة ، ليس فقط دراستهم بل دراسة زمنهم وبيئتهم الاجتماعية والسياسية والثقافية ، إما قراءة مذكرات العباقرة فهى شئ مختلف ، لسبب بسيط هو أن العبقري شخص مختلف ، وهذا ما يبدأ به ميشيل دى مونتان تقديمه " يوميات عبقري " ، وهى اليوميات التى كتبها الفنان سلفادور دالي في الفترة من 1952 ـ 1963 لتكون شاهداً ليس فقط علي عبقريته ، ولكن علي مرحلة من اخطر و أثرى مراحل التحول الثقافي في تاريخ العالم . بقول ميشيل دي مونتان " إن الحياة اليومية للعبقري ، نومه وهضمه ، ابتهاجه و نشوته ، أظافره ودمه ، حياته وموته ، مختلفة بدرجة أساسية عن بقية البشر " هذه المذكرات تصدر عن سلسلة المئويات بمناسبة مرور مائة عام علي ميلاد سلفادور دالي ( 1904ـ 1989 ) ، من ترجمة الأديب الفلسطيني أحمد عمر شاهين ( رحمه الله )، دالي كان يعرف بعبقريته ويعشقها ، وكان يعشق الكتابة عن نفسه وعن عبقريته فغير اليوميات كتب الحياة السرية لدالي ، وكتب عالم سلفادور دالي e=4>، هذا غير الكتب التى تحمل نظريته في الفن ، هذه النظرية التى بدأت في كنف السرياليين لكنها سرعان ما اصطدمت بهم ، لقد ذهل دالي من خواء السرياليين الروحي ، وجمودهم أمام مجموعة الأفكار النيتشوية ، لاحظ دالي أن إلحادهم قد يكون حرر عقولهم ، لكنه أبدا لم يحرر روحهم ، أما دالي ، فقد كانت روحه حره إلى درجة أن السرياليين لم يمكنهم استيعاب نزقه وجنونه ، لقد بدوا بالنسبة له كلاسيكيين شديدي التحفظ وهم يتأملون رسمه للأحشاء والأمعاء وخيوط الدم ، لقد واجه دالي السرياليين بلوحاته الصادمة منذ البداية ليكشف هشاشة عقلانيتهم ، فهم علي العكس اعتقد بأن ثمة عقل عبقري جبار وراء كل شئ ، هو نفسه صاحب عقل عبقري ، فكيف ينكره ببساطة ، و يتخلي عنه لصالح فكرة ، كتب دالي 1935 هزيمة اللامعقول ، واعتبر ذلك نوعاً من الضعف الرومانسي ، ومنذ البداية واجه دالي فكرة الإلحاد بتحد ، كان أبوه ملحداً ، وكان مدرسه في المرحلة الابتدائية ملحداً ، وعندما انضم للسرياليين صدمته فكرة الخواء الروحي للحركة ، طلب من أقطاب الحركة إضافة عنصر ديني صوفي لها ، تجددها وتعزلها نهائياً عن المادية الجدلية ، لكنهم كادوا له ، واتهموه بأنه موالى لهتلر فانشق عليهم ، ومنذ لحظة خروجه عنهم اعتبرت السرياليية حركة بائدة وميته ، كما رفض ـ أيضاً ـ التجرييدن ، واختط لنفسه منهجاً ، التحليل النقدي المبنى علي الهلوسة ، وشيئاً فشيئاً تحولت طريقته إلى نظرية جديدة في الفن التشكيلي عرفت بالواقعية السحرية ، لكن فلسفته للاحتشاد الروحي بدت متناقضة مع ما عرف عنه من شره للدولار والذهب ، دالي لايجد تناقضاً في ذلك ، يقول ان الطريقة الوحيدة لإضفاء الطابع الروحي علي المادة ، هى أن تملاء كل شئ بالذهب ، لكن إيمان دالي الحقيقى كان بعبقريته ، وكان هذا حافزه الأول علي إنجاز مشروعه ، يقول " أؤمن بأني مخلص الفن الحديث ، وأنى الوحيد القادر علي إن أتسامى وأكمل و أعقلن بشكل جميل ووقور كل التجارب الثورية للعصور الحديثة ، وفق تقاليد الكلاسيكية العظيمة للواقعية والغيبية ، وهى مهمة أسبانيا المجيدة والسامية " . أما الحافز الثاني لعبقرية دالي فكان زوجته جالا ، علاقة جالا بدالي أسطورية لقد آمنت بعبقريته وظلت تدفعه منذ البداية ، ولا تكاد تخلو صفحة من يومياته إلا وذكر فيها جالا ، فهي لم تكن مجرد زوجة أو حبيبة ، كانت توأم روحه ، ومثلث الجانب العقلاني والروحاني في علاقته بالعالم ، لهذا كان دالي يعتقد أنه بدون جالا قد يموت أو يصاب بالجنون ، وعندما ماتت جالا 1982 ، عاش بعدها دالي سبع سنوات ، اختلت فيها تفاصيل حياته تماماً ، وتسلقت الأمراض جسده ، حتى أصيب بالشلل الرعاش ، وفقد ذاكرته قبل أن يموت . الكتاب ملئ بعدد من مقولات دالي التى يمكن اعتبارها جزءاً من فلسفته وعبقريته منها : " إن الأخطاء في معظم الأحيان ذات طبيعة مقدسة ، لا تحاول تصحيحها ، بل علي العكس ، حاول أن تفهمها بدقة " ।