المشاركات

صورة
من لمح البصر (حبر على ورق) كل شيء هنا قديم، سجائر البحار، زجاجات الخمر المعتق، الأدوات المكتبية، أوراق الكتب الصفراء. وللدكان رائحة عميقة وغامضة، أشمها كلما مررت من هنا، وفي كل مرة، سأجد نفسي أدفع الباب الزجاجي، وأقف في مواجهتها، وستلقاني بنفس الابتسامة حتى أشعر بالخجل، فأحنى رأسي وتغمرني رغبة في بكاء. أغالبها وأقول: ـ أريد حبرا لأكتب. ـ كم مرة قلت لك أنك صغير على الكتابة بالحبر. أعرف أن أمي أوصتها ألا تبعيني الحبر أبدا، وتعرف أن محاولاتي لن تتوقف عن سؤالها. في كل مرة تواجهني بابتسامتها الغامضة، وملامحها الذكورية، وعريها النبيل. كانت قوية كأنها منحوتة من رخام وردي. ولما رأت دموعي، جلستْ على الأرض، فانحسر فستانها الحريري عن فخذيها. أغضمتْ عينيها، وأنا اتسلل وأجلس على حجرها، وأدس رأسي بين نهديها حتى شممتُ رائحة البحر، وسمعتها تهمس:   ـ المرحومة أمك كانت زميلتي في المدرسة.   أظنها بكت، لأن ملحا رقيقاً علق بشفتي، فمصصتُ شفتي وأغمضتُ عيني حتى سمعتُ صخب زملاء المدرسة من حولي، ورأيتُ كاترينا بينهم. لا أعرف متى كبرتْ وطلع لها نهدان جميلان، حتى أنهما غمراني برغبة

قراءة في شارع بسادة

عن الموت والجمال والحب المثلى،  بين فينسيا وشارع بسادة –  قراءة: محمد عبد النبى   هناك جسور خفية تمتد بين بعض الأعمال الأدبية، المكتوبة فى أماكن وأزمنة متباينة، فى لعبة من ألعاب بيت المرايا، دون أن تحيل بالضرورة إلى جدلية التأثير والتأثر بصيغتها المباشرة، بل هى جسور تكاد لا توجد إلا فى ذهن قارئ ما فى إطار فعل قراءة محدد، أى أن مسئولية هذه العلاقات الخفية تقع فى أغلب الأحيان على عاتق القارئ وحده. هذا المستهل غرضه الأساسى إعلان مسئوليتى الكاملة عن الربط ما بين نوفيلا سيد الوكيل الصادرة مؤخرا عن دار الناشر، بعنوان شارع بسادة، أو بين بعض خيوطها على وجه التحديد، وبين أجواء الموت فى فينسيا لتوماس مان. ينتمى العملان إلى نوع أدبى واحد هو النوفيلا، وهى مصادفة لا دخل لها بالجسور التى أتخيلها هنا إلا قليلا، والنوفيلا حالة سردية وسطى ما بين القصة والرواية، وغالبا ما يشار لهذين الطرفين عند تعريفها، وأحيانا ما تعرف بعدد كلماتها، الذى يترواح من 10 آلاف إلى 70 ألف كلمة، لتمييزها عن الرواية، أختها الكبرى، والقصة الابنة الصغرى، لكن هذه التعريفات أيضا تولى اهتمامها لمسألة الصراع والحبكات، فتش

فى سرديات سيد الوكيل

--> فتنة اللغة والجسد والروح في سرديات سيد الوكيل فهد العتيق اللحظة السردية عند الروائي والناقد المبدع سيد الوكيل تتطور داخل النص مثل عاصفة صغيرة , تنمو وتتشظى, هادئة أحيانا ومتوترة أحيانا أخرى , ربما هي من ذاكرة اللحظة , اللحظة الفنية البكر, التي اختمرت في الذهن طويلا لكاتب مهموم , وهذه هي روح الكتابة الحديثة أو الجديدة , حيث لا دخول تقليدي قصدي مسبق يكسر عفوية واضحة و رفيعة للنص , عفوية فنية مبدعة تكشف بوضوح حالة صدق فني , مثلما تكشف عن كاتب مختلف ومتجدد بأدواته وقدراته , ومهموم بقضايا الإنسان في مجتمعة . في قصة ضوء شاحب في النافذة , يتابع الكاتب تفاصيل حياة يومية , من خلال حكايات فيها متعة وجاذبية , تشعر أحيانا أنها ليست قصصا , لكنها شيء يشبه حقائق تتلبسنا مثل روح , ربما حين أتاح هذا السارد الممتع في (صاحبة الضوء الغافي) , لعفريت أن يزيح قليلا سدادة تحبسه , ليتسرب عطرها شيئا فشيئا في فضاء الحمام , وكانت قد أخذت المسجل ودخلت الحمام ثم انقطعت الكهرباء فجأة , حتى أنها حين خرجت عارية لتحضر شمعة وثقابا , ثم عادت فاجأها ع

حوار المدى

صورة
حاورته : سولاف هلال- القاهرة يحتفي الروائي «سيد الوكيل» بالإنسان عبر المكان في مجموعة علاقاته في آخر إصداراته الروائية التي شكلت علامة أخرى من علامات تميزه السردي. ورواية «شارع بسادة» رواية شائكة في بنائها الفني ولم تقم سرديتها على حبكة مألوفة كالتي تتصل مع الواقع مباشرة دون فلسفته ومساءلته ، إنما تقصدت الواقع وانتمت إليه لكنها افترقت عنه بمعطيات فنية كثيرة ؛ ولهذا لاقت هذه الرواية ما تستحقه من ثناء نقدي وإطراء نخبوي واضح المعالم . سيد الوكيل في هذا اللقاء يتماهى مع «شارع بسادة» ويتوغل في بعض جزئيات روايته واشتغالاته المعرفية عليها .  روايتك « شارع بسادة» تحيلنا إلى اسم مكان، ما هي علاقتك بالمكان على مستوى الرواية ؟ - المكان ليس معنى جغرافيا على الإطلاق ، هو مجموعة من العلاقات التي يكون الإنسان عنصرا رئيسا فيها ، وليس فى روايتي احتفاء بالمكان على نحو منعزل عن هذه العلاقات التي تنتج عبر الممارسات اليومية والطموحات الصغيرة لشخصيات تبدو مهمشة مثلما المكان ذاته ، وعندما تستطيع كائنات المكان أن تعبر عن نفسها فهي تمنح للمكان خصوصيته ، ومن ثم يبدو المكان بطلا على نحو مايشير له عنوان ا
صورة
http://almadapaper.net/paper.php?source=ak...e&sid=68122 حوار جريدة المدى العراقية حول رواية شارع بسادة

من شخصيات شارع بسادة

شيخ المعهد الأزهرى ثم من هذا؟! آه.. شيخ المعهد الأزهري في البلدة، المنتدب ـ أصلاً ـ من المعهد الأحمدي بطنطا. الحقيقة هو لا يعود لقضاء العطلة الأسبوعية بين أهله سوي مرة واحدة كل أول شهر، وتصادف أنه أمضي أسبوعا كاملا بين أهله. ها هو ينهي أجازته؛ ليعود في القطار الأخير لأن عليه أن يكون في صباح السبت بين الشيوخ الأطفال؛ ليذوب بينهم. هو نفسه يشبه الأطفال تماماً. قصير جدًّا، ونحيف جدًا، وخفيض الصوت جداً جداً. وهو فوق ذلك خجول حتى لا يقوي على النظر في عيون تلاميذه. هذه صفات لا يمكن أن تجتمع في شيخ أزهري إلا هو؛ لهذا فإن أحداً لا يشعر بوجوده، لا بسفره ولا بعودته، حتى إن العربجية المتحفزين لزبائنهم يخطئون وجوده عادة. ربما يفاجأ به أحدهم وهو يهم بالانصراف بعد أن يئس من الفوز بزبون، وغالباً لن يهتم به، فالشيخ الصغير لا يركب الحناطير إلا نادرًا، وعادة يكون آخر الخارجين من النفق، يمشي بخطوات متعثرة ملاصقاً للبيوت والأرصفة. ينظر للأرض كأنما يبحث عن ظله، يصل إلي بيته المجاور للمعهد الأزهري بعد عشرين دقيقة من المشي بحساب خطواته الصغيرة، غير أنه في ليلة مثل هذه، سيفكر بالتأكيد في ركوب حنطور، إن

من شخصيات شارع بسادة

مدرب فريق مصنع الغزل مدرب فريق مصنع الغزل الذي كان لاعبا في نادي طنطا، وتصادف أن أحرز هدفاً في عادل هيكل؛ فدخل التاريخ من غير قصد، خرج فريقه خسرانَ بستة أهداف. أما هو؛ فاز بصورة في جريدة المساء اعتبرت سبقًا صحفيًا؛ لأن المصور سجل لحظة نادرة: عادل هيكل يطير في الهواء، والكرة تدخل المرمي، ومن وراء الشبكة ثمة نقاط بيضاء وسوداء كثيرة. كانت تلك جماهير ستاد طنطا تهلّل لحظة دخول الهدف الوحيد لهم، هكذا.. جمعت الصورة كل شيء إلا الذي شاط الكرة. هو لا يظهر في الصورة. فقط.. قدم مكمورة في حذاء رياضي، مجرد قدم لا أكثر، لكنه قص الصورة بعناية وشالها في محفظته، وكلما جاءت مناسبة يخرجها. هوـ في الحقيقة ـ لا يخرجها من محفظته، ولا يعرضها علي أحد إلا نادرا، إذ كان عليه في كل مرة أن يقول بحسرة: ـ أنا الذي شاط الكرة. والله أنا.. بص.. دي رجلي.

من شخصيات شارع بسادة

مدير بنك ناصر مدير بنك ناصر سيراه الناس في شوارع البلدة كلما مروا هنا أو هناك. يتلفت يمينا ويسارا كأنما يبحث عن شيء ضاع منه. يضع نظارة سوداء علي عينيه ـ حتى في الليل ـ فلا أحد يدري لأي جهة يبصُّ، لكن سكرتيرته في البنك، تعرف جيداً أن نظراته تتجه دائما لأسفل. من أجل هذا تنزع الشعر عن ساقيها في الأسبوع مرتين.

من شخصيات شارع بسادة

موظف السجل المدنى هذا موظف السجل المدني. ستتعرفون عليه بسهولة. بدين، أصلع، له بنطال واسع يتدلي حزامه تحت كرشه؛ فيترك براحا لخصيتين مصابتين بالدوالي، مبتسم بلا سبب، لا يكف عن الابتسام حتى لهؤلاء الذين يعرف أنهم يضحكون من مشيته، أو الأطفال الذين سيجهرون باسمه الحركي "أبو قليطة" في غفلة من الكبار الذين يحترمونه بالرغم من مخاوفهم أن تنخدع النساء بالذي بين فخذيه يتدلي. سيبتسم، وربما يُحيّيهم بإيماءة، ثم يمضي مثقلا بخصيتين كبيرتين بين فخذيه، وحقيبة صغيرة يعلقها في كتفه دائما، بها أقلام "باسْطْ" مسنونة جيداً وبدرجات متفاوتة، تفيده في كتابة بطاقات الهوية. الناس ـ عادة ـ تضع في درج مكتبه شِلِنًا أو بريزة تقديرًا لخطه الجميل. وربما يعملون خاطرا لذلك الذي بين فخذيه.

نساء يركضن وراء الذئاب

صورة
نساء يركضن وراء الذئاب فى البدء كانت الكائنات تمرح ، وكانت الطبيعة هى كل ما هو موجود على الأرض ، حتى جاء الرجل الأول ، ولم يكن قادراً على التعايش مع الطبيعة ، فراح يقتلع الأشجار ، ويقتل الحيوانات ليبنى لنفسه أكواخاً ويصنع ملابس وشباكاً يصطاد بها مزيداً من كائنات الطبيعة ، وذات مرة وقع شيئ منها فى شبكته ، ظل يغنى طوال الليل بصوت جميل وقع كالسحر فى قلب الرجل ، وفى الصباح رآها فى صورة المرأة فأعجب بها ، وتأثر بنظراتها العطوف المتوسلة من وراء خيوط الشبكة ، ولكنه لم يفهم ، فبدلاً من أن يتركها للطبيعة ، احتفظ بها لنفسه ، وأجبرها لتبنى أكواخاً وتصنع الملابس والشباك له . كلاريسا بنكولا .. قاصة مجرية من أصل أسبانى مكسيكى ، تقول فى مقدمة كتابها نساء يركضن وراء الذئاب : " إننا جميعاً نفيض شوقاً وحنيناً إلى الحياة الوحشية ، بيد أن ترياق الحضارة لايترك لهذا الحنين منفذاً ، تعلمنا أن نشعر بالخجل من هذه الرغبة ، غير أن ظل المرأة الوحشية ، مازال ينسل خلفنا ، ويكمن فى أيامنا وليالينا " . تجمع كلاريسا مئات القصص والحكايات والأساطير عن المرأة ، وتقول إن هذا التراث السردى وسليتنا الوحيدة ال