أميرة تأكل الورق
عندما تعرضت أميرة فى طفولتها إلى مرض عرض حياتها للخطر، لم أجد سوى الكتابة للتعبير عن لوعتى وألمى، كتبت من أجلها ، وأهديتها مجموعتى القصصية الثانية ( للروح غناها ) .فى أمسيات الألم ، كنت أقرأ قصصى على ابنة السادسة طريحة الفراش ، ربما كانت لاتعى كثيرا مما اقرأ ، ولكنها كانت تحب أن أقرأ لها بالذات ( للروح غناها ) وتطالبنى أن أبدأ من أول الإهداء .وبمجرد أن تسمعنى أقول : " إلى أميرة ..التى طالت رف المذياع " ، كانت تبتسم ، ويشع وجهها بالحياة ونتوحد معا فى لحظة انعتاق مؤقت من ترانيم الألم .وهكذا تحولت جلسات القراءة على سرير أميرة إلى جلسات علاج لى ولها .الآن .. أميرة أصبحت عروساً جميلة ، ولكن المدهش أن الكتابة قد سكنتها ، أميرة الآن تكتب القصة وتعشق الكتابة . *** الكتابة إذن ليست مجرد وسيلة للتعبير ، إنها طاقة سحرية تمنحنا الحياة ، طاقة لها قوة الفعل .الآن .. وبعد طول معاشرة للكتابة ، لم يعد من حقى السؤال عن جدوى الكتابة ، لأنه كلما نظرت ورائى بغضب أو بفرح ، لا أجد سوى الكتابة تشاركنى فعل الحياة ، كانت الكتابة قائمة فى حياتى منذ وعيى بذاتى ، فى طفولتى وشبابى ، حالات عشقى ووصلى مع الأماكن وبنات الجيران وزملاء المدرسة وباعة الكتب ودور السينما ووسائل المواصلات وأصدقاء المقاهى والمنتديات .الكتابة تشاركنى حياتى كلها ، وهى شريكة رائعة تجعلنى زاهداً فى جدواها . فقط أحبها ولايمكن أن أعيش بدونها .الآن .. وقد تجاوزت كل هذا العمر مع أمنيات الكتابة المستحيلة ، لم تعد الكتابة مجرد تمرين على الحياة ، أو تجربة ورقية موازية لها ، بل هى الحياة التى لايمكننى أن أعيش بعيداً عنها ، ولهذا فعندما اتساءل عن جدوى الكتابة ، فإننى اتساءل عن جدوى حياتى .وإذا كان هذا المعنى جائزاً فى مرحلة ما ، فإن كل شيء تغير الآن ، إن الكتابة أصبحت ذات روافد متعددة ومن ثم مقاصد متعددة ، وهكذا فالجدوى شيئ نسبى ومتغير وفقا لظروف العلاقة بين المرسل والمستقبل ، أما الشيئ الأخطر ، فهو أن الميديا التكنولوجية ، وضعت الكتابة فى فضاء شديد الاتساع والتنوع ، وجعلت السؤال عن الجدوى بلا إجابة ، فما الجدوى فى أنك تكتب نصا وتبثه فى هذا الفضاء المخيف ، إنها مساوية لجدوى أن تلقى حجرا فى محيط . لهذا أسأل نفسى :لو عاد بى الزمن إلى وقدة الصبا وفورة الشباب ، لو كان لى حق الاختيار من جديد ..هل أختار أن أكون كاتباً ؟ *** أميرة الآن ابنة العشرين ، تدرس الماجستير فى المسرح وتتخصص فى النقد ، وتدهشنى بنجاحاتها وأنا أقرأ لها كل أسبوع على صفحات جريدة مسرحنا مقالات تضارع كبار النقاد .أميرة مازالت فى نظرى مجرد طفلة .. اليوم طلبت منى أن اشترى لها العدد الأخير من جريدة مسرحنا لتقرأ مقالها الأخير ، لم أجد الجريدة فى طريقى ، خجلت أن أعود لها خاوى اليدين فاشتريت لها بعض الشيكولاتة والحلوى كما كنت أفعل دائما .كالعادة ، ومنذ طفولتها.. أميرة فتحت حقيبتى لتنظر ماذا اشتريت لها اليوم ، رأت الشيكولاتة فتناولتها بتلقائية وفضت غلافها ، لكنها مازالت تقلب فى حقيبتى بين الكتب وطبقات الورق التى لم أعد أعرف ماهى ، ولا لماذا هى فى حقيبتى ، ولكنى أشعر أنها مهمة بطريقة ما ، فلا أفكر فى التخلص منها أميرة انتهت من قطعة الشيكولاتة الأولى وسألتنى بدهشةـ فين الجريدة ؟اليوم أدركت أن أميرة كبرت فعلا ، ولكنى خشيت أنها ستبدأ فى التحول من أكل الشيكولاتة إلى أكل الورق مثلى ..

تعليقات

‏قال غير معرف…
فى خلال الثلاثين عاما الماضية تعرضت مصر الى حملة منظمة لنشر ثقافة الهزيمة بين المصريين, فظهرت أمراض اجتماعية خطيرة عانى ومازال يعانى منها خمسة وتسعون بالمئة من هذا الشعب الكادح . فلقد تحولت مصر تدريجيا الى مجتمع الخمسة بالمئه وعدنا
بخطى ثابته الى عصر ماقبل الثورة .. بل أسوء بكثير من مرحلة الاقطاع.
هذه دراسة لمشاكل مصرالرئيسية:

1- الانفجار السكانى .. وكيف أنها خدعة فيقولون أننا نتكاثر ولايوجد حل وأنها مشكلة مستعصية عن الحل.
2- مشكلة الدخل القومى .. وكيف يسرقونه ويدعون أن هناك عجزا ولاأمل من خروجنا من مشكلة الديون .
3- مشكلة تعمير مصر والتى يعيش سكانها على 4% من مساحتها.
4 - العدالة الاجتماعية .. وأطفال الشوارع والذين يملكون كل شىء .
5 - ضرورة الاتحاد مع السودان لتوفير الغذاء وحماية الأمن القومى المصرى.
6 - الطاقة المتجددة كبديل للطاقة النووية. فالطاقة النووية لها محاذيرها وهذا ماسوف نشرحه بالتفصيل.
ارجو من كل من يقراء هذا ان يزور ( مقالات ثقافة الهزيمة) فى هذا الرابط:

http://www.ouregypt.us/culture/main.html
‏قال Ahmad Abdulatif
ما أجمل ما تشعر به نحو ابنتك
وما أجمل أن تري نبتك ينمو أمامك .
ربنا يخليها لك يا عم سيد ويخليك ليها ولينا

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نراجيديا أسمهان

شارع بسادة

كان محتاجا لمن يسكب قهوته