البحث عن الجنس الأدبى والهوية


نوفيلا سيد الوكيل والبحث عن الجنس الأدبى و الهوية وفقا لعلم الإتيمولوجيا – علم أصول الكلمات أو فقه اللغة – فإن كلمة Novella الإنجليزية مشتقة من المصدر الإيطالى Novella أيضا, تجمع على Novellas فى الأولى وعلى Novelle فى الثانية, وتعنى حكاية أو بعض الخبر, وفى المجمل هى أخبار المدينة وحكايات البلاد. وكلاهما يعود لأصل لاتينى اشتقت منه عدة اصطلاحات تعنى فى مختلف اللغات الأوروبية القصة او الحكاية وتختلف فى مدلولها على الطول والقصر, لكنها لا تعنى مطلقا الرواية الطويلة. وهى جنس أدبى معروف أطول من الأقصوصة وأقصر من الرواية, اختلف الكثيرون على تحديد حجم معين لها, مابين عدد كلمات وصفحات. أعلى غلاف شارع بسادة للأستاذ سيد الوكيل مكتوب فى حروف عربية "نوفيللا" توصيف للنوع, نقلا عن الأصل اللغوى المنطوق فى الإنجليزية والإيطالية, ولا أعرف ماالفرق بين اللام المشددة واللام الزائدة فى الكلمة المعربة, ومن يعرف الكاتب يعى تماما أن أمرا هكذا إنما هو مقصود ومرصود, لا يعنى ناشرا أو جهة إصدار. فصاحب أفضية الذات ليس بعيدا عما يطرأ على الأدب فى الداخل والخارج, لامن حيث البنية السردية, ولا الجنس الأدبى, ولذلك نتسائل, لما التعريب ولما التجنيس؟ النوفيلا هى الرواية القصيرة, هذا ما اتفق عليه بين أهل حارة الأدب وشيوخها, اطمئن إلى ذلك الصبيان والمعلمين, غير أننا فيما أعرف لم نرى نصا يصدر بهذا التصنيف النوعى غير شارع بسادة المصدرة بنوفيللا, رغم أن النوع نفسه غير قليل فى أدبنا العربى, فكتابات يحيى حقى فى أغلبها روايات قصيرة مبدعة وملهمة, لفظ جزيل ومعنى غزير, لايفقدك العمق, ولايطيل لك المدى, ما خالتى صفية والدير إلا رواية قصيرة, ما لحس العتب إلا رواية قصيرة, ماالطوق والإسورة إلا رواية قصيرة. كتبها إرنست همنجواى فى العجوز والبحر, وفرانز كافكا فى الميتامورفوسيس أو التحولات, كتبها جورج أورويل فى مزرعة الحيوانات, والأمثلة لا تحصر بقدر ما تدلل. فى القرآن الكريم يقول الله تعالى فى مطلع سورة يوسف "نحن نقص عليك أحسن القصص", وفى الطرفة التى تروى عن بعض الفقهاء الطفيليين, أن أحدهم أراد أن يلهى الآخر عن الطعام ليستأثر به, فطلب منه فى خبث أن يقص عليهم قصة يوسف, لعلمه بطولها, فأجابه صاحبه بدهاء ملبيا طلبه, تاه ولقيناه, ملخصا القصة كلها فى كلمتين وحرف عطف. هذين المثلين هما دليلى لما أريد أن أقول, يمثلان المذهب الذى أدعى, أن الحاجة الفنية هى فقط وليس أى شىء آخر المنوطة بالطول والقصر, بالتكثيف والفرد, بالإجمال والتفصيل, الحاجة الفنية هى الفيصل فى الكيفية السردية, والبنية النصية. القصة قصة والحكاية حكاية, لا طويلة ولا قصيرة, الصفة تابعة لامحددة وليست سابقة, التركيب الفنى واللغوى هما فقط المحددان الرئيسيان للجنس, لا الطول ولا القصر, لاعدد الكلمات ولا عدد الصفحات, هى قصة, هى حكاية, حتى مصطلح نوفيلا المعرب يعنى فى أصله اللغوى حكاية المدينة أو القرية أو البلدة, لذلك كان أولى بالكاتب أن يرصع غلافه بكلمة حكاية, جوهرة السرد العربى, حكاية شارع بسادة, ألا ترى معى أنها أجزل للمعنى, أقرب للنفس والعقل والخيال, أقرب للمكان والزمان, بل إن التصدير لو كان بقصة شارع بسادة, سواء كانت الكلمة قصة أو حكاية مكتوبة أعلى الغلاف او أسفله, متبوعة بالعنوان أو مدمجة فيه, لكانت خير دليل على النص, محركة النفس للدخول فيه والتعرف على عالمه, وإذا كان السبق للأستاذ سيد الوكيل فى تصدير شارع بسادة بنوفيللا, لكان السبق أعظم لو صدر برواية قصيرة, ولكان أفضل من اللجوء للفظ معرب يوجد لدينا ماهو بديل عنه ودليل. لست فى معرض دفاع عن العربية, أو اتهام لأستاذى سيد الوكيل, إنما أجلس على مائدته أناقشه وأتعلم. فالكلام عن الجنس الأدبى يطول, والاستفاضة فى شرح المصدر اللغوى للكلمة Novella يحتاج لتمحيص وتفحيص لما بينه وبين لفظ Novel من اختلافات لغوية واصطلاحية وأدبية, فضلا عن البحث فى تاريخ الرواية القصيرة ذاتها, ومايقابل هذه الألفاظ فى العربية ومحددات الجنس النصى فى اللغة ومدلولاتها, كالقصة و الحكاية والأخبار والوقائع والمقامات, ومصطلحى القصة القصيرة, والرواية والرواية القصيرة, وهل يمكن ان نطلق على بعض النصوص قصة قصيرة طويلة, مما يضعنا فى مأزق بلاغى واصطلاحى, لذلك أرى أن قصة أو حكاية, هما خير معبر عن النص طال أم قصر, سواء جاءا بصيغة المفرد, أم بصيغة الجمع, كقصص أو حكايات. يخيل إليك بعدما تقرأ شارع بسادة أنك خدعت, وأرجوا ألا يسبب معرض كلامى هذا لبعض القراء صدمة, هذا ما حدث لى, فأنا لن أكذب ولن أتجمل, قرأتها فى المرة الأولى على عجل لسببين, عادة فى القراءة, ورغبة محمومة فى قراءة سيد الوكيل مبدعا, ولأن شارع بسادة, ليس من حجر صوان, كبيرة الحجم هائلة, صلبة لا تنكسر, تشعر بها شئت ام أبيت , إنما أرواح وأجساد هائمة على وجهها فى هذا الشارع بحثا عن هويتها, وهذا هو الفخ. لا أقصد بالخدعة هنا, تقييم النص من حيث الإجادة, إنما عينى على أطباق سيد الوكيل, هل هى سهلة ويسيره, ما أن تمد يدك لتتناول, تطيعك سائغة راضية, هيهات المنال. أنت أمام ثلاث تكوينات تبحث عن هويتها, الروح ممثلة فى الملاك حينا, الشيطان بعض الحين, فى الجسد ممثلا فى الحاج وهدان سواء كان سميرة او سمير وفى مارسا ونادية وزينب سليمان, فى النفس البشرية, السر الإلهى الذى جمع بين الروح والجسد فاستوى خليطا عجيبا مستقلا بذاته, وهى فى كل أبطال العمل جميعا, بل تكاد تلمس البحث عن الهوية فى الشارع ذاته, الذى يتارجح المعلم الرئيسى فيه وهو البيت الطينى – وإن كان نفق القطار اكثر ظهورا – بين الانهيار والصمود, وما بين هاتين الحالتين يتيه أبطال شارع بسادة فى إغواء النور والطراوة, مابين على وأمه, الشخصية الوحيدة فى الرواية الناجية من جحيم الضياع. تلك المرأة التى أفسحت فى دارها للرزق والمبيت والعشق, تسالمت مع روحها وجسدها وتجاوزت معاناة الأرمل الباحثة عن الدفء, لم تقع فى براثن التيه والخمود, ولعل خبرها فى أول الحديث يعطى انطباعا عما جاش به صدر المرأة, فقد عرفنا أنها جاءت إلى شارع بسادة مهاجرة, ربما بحث عن هويتها وذاتها, وربما كان هروبها الثانى ذات صباح استيقظ فيه الصبى فلم يجدها, وربما أيضا كان رجوعها لولدها بعد سنين, عندما لم يعد ولدا كما كان, ولم تعد هى أم كما كانت, النهاية الحتمية لهوية لا ترى غيرها فى الوجود, شخصية تخلصت من القلق الوجودى لدى كافة الأبطال, وربما نستثنى أيضا سيدة ألاجا, فقد حسمت أمورا كثيرة منذ زمن بعيد, إلا ان التبدل المرحلى هذا فى حياة المرأة, ليس بتبدل فى الهوية أو تقلب, إنما كان عجزا يتواكب مع هجراتها المختلفة عن تضافر الهوية مع المجتمع والواقع المحيط, وهى فى هذا تتشارك مع باقى الأبطال فى هذا الجانب, إذ هم من ناحية غير قادرين على العثور على هوية لا لأجساد بعضهم ولا لأرواحهم, وبالتالى هم عاجزون عن الاستمرار فى الحياة على شاكلتهم, مما يجدف بهم فى تيارات شتى, مابين الجريمة, والرهبنة, والجنون. بقى أن نقول, هل لايزال يبحث سيد الوكيل هو الاخر عن هويته, وهى أزمة تلازم جيلى الستينات والسبعينات, وإن لم تخل منها الأجيال اللاحقة, هوية تجمع بين الدين والوطن والذات, هوية تسرح فيها النفس غير هيابة لقيود, أو عازفة عن مضمار من الحياة, هوية هى الروح فى عليين, والجسد فى أعماق الطين والماء, هوية هى النفس. تحياتى مدونتى يوميات أديب مصرى http://www.egyptwriter.blogspot.com/ جروب يوميات أديب مصرى على الفيس بوك

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نراجيديا أسمهان

شارع بسادة

كان محتاجا لمن يسكب قهوته